جمهور مكتبة الإسكندرية يقف حداد على ضحايا إرهاب شرم الشيخ
تاريخ النشر
الإسكندرية في 25 يوليو 2005— وقف جمهور ندوة "الإسلام وتحديات العصر" التي ألقاها الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف- دقيقة حداد على أرواح ضحايا حادث الإرهاب المؤسف الذي شهدته مدينة شرم الشيخ صباح أمس، وذلك بعد أن دعاهم الدكتور زقزوق للوقوف وقراءة الفاتحة على أرواح الضحايا.
بدأ الدكتور زقزوق الندوة بسؤال عن موقع العالم الإسلامي في ظل ما يطرأ على العالم من تطورات متلاحقة وسريعة، وهل يكتفي العالم الإسلامي بدور المتفرج والمستهلك، وهل استعد المسلمون لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجههم في الوقت الحالي؟ وأشار الدكتور زقزوق في إجاباته أن هذه التحديات التي تحيط بالعالم الإسلامي ليست تحديات تواجه الإسلام بل هي تحديات للمسلمين وعقولهم وقدرتهم على استيعاب تطورات العصر والوعي بالزمن والتاريخ.
وخلال الندوة قسم الدكتور محمود حمدي زقزوق التحديات التي تواجه المسلمين اليوم إلى قسمين؛ الأول يعنى بالتحديات الداخلية أما القسم الثاني فيهتم بالتحديات التي تواجه العالم الإسلامي من خارجه، فبالنسبة للتحديات الداخلية أكد الدكتور زقزوق أن التغلب عليها يؤهل العالم الإسلامي للتغلب على التحديات الخارجية، ومن بين التحديات الداخلية التي ذكرها "التخلف"، و"الإرهاب"، و"الفهم الخاطئ للإسلام"، حيث أشار وزير الأوقاف أن التخلف الذي يواجهنا ليس على المستوى المادي فحسب بل هو تخلف شامل لشتى النواحي العلمية والفكرية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث أصبح المسلمون مجرد مستهلكون لمنجزات الحضارة المعاصرة. وأن حالة التشرذم المسيطرة على العالم الإسلامي تعد أكبر دليل على مدى التخلف الذي تعانيه الأمة الإسلامية في الوقت الذي يتجه عالمنا المعاصر إلى التوحد في تكتلات دولية قوية. وأشار إلى أنه إذا كانت الحضارات لا تقوم إلا بالعلم فإن الإسلام قد جعل العلم فريضة لا تقل شأنا عن الصلاة والصوم والزكاة، ووصف العلماء بأنهم أخشى الناس لله، ولكن المسلمون لا يهتمون بالعلم حيث تصل نسبة الأمية إلى 46.5% تبعاً لبيانات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
وعندما انتقل الدكتور زقزوق للحديث عن التحدي الداخلي الثاني وهو "الإرهاب" أكد أن عواقبه مدمرة لقدرات الشعوب الإسلامية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأكد أنها تمثل عقبة أمام تنفيذ الخطط التنموية، وأشار إلى أن مواجهة الإرهاب في العالم الإسلامي قد اتسمت بقصور إذ ينظر إليها الكثيرون على أنها صراع بين الإرهاب والحكومات ولم يظهر الدور الشعبي والأهلي في الصورة، وأكد على أن التغلب على التحدي الذي يمثله الإرهاب يجب أن يكون مسئولية المجتمع بأسره. كما أكد الدكتور زقزوق أن ما يطلقه الإرهابيون من شعارات إسلامية فإنها لا يمكن أن تخدع عاقلاً لأن الأديان كلها والإسلام بصفة خاصة ترفض العنف والقتل والتخريب وتدعو إلى المحبة والأخوة والسلام. أما آخر التحديات الداخلية التي ذكرها الدكتور زقزوق فهي، "الفهم الخاطئ للإسلام" حيث يفسر البعض التعاليم الإسلامية بأنها تارة تدعو للجمود والانغلاق والتقوقع وتارة إلى العنف والعدوان، وأوضح أن الفهم الخاطئ للإسلام يرجع إلى جهل أصحابه بجوهر تعاليم الدين، وأشار إلى أنه حتى يستطيع الإسلام أن يتجه بخطى ثابتة نحو المستقبل فلابد لأتباعه من التخلص من هذا المرض المزدوج وذلك عن طريق الفهم المستنير للإسلام وتعاليمه والكشف عن الوجه الحضاري لهذا الدين الذي تتوافق تعاليمه مع كل زمان ومكان وتثبت قدرته على التطور ومواجهة متغيرات الحياة وقدرته الذاتية على الصمود أمام كل التحديات.
بعدما انتهى الدكتور زقزوق من عرض التحديات الداخلية انتقل إلى استعراض التحديات التي تواجه العالم الإسلامي خارجياً والتي من أبرزها خوف الغرب من الإسلام، الذي روج له موجات العنف في بعض البلاد الإسلامية وأشار الدكتور زقزوق أنه من المفارقات الغريبة أن الغرب نفسه هو الذي وفر الملجأ والملاذ والدعم وحرية الحركة لرءوس الإرهاب في العالم الإسلامي. وأن هذا التوجه الغربي لم يسمح بتطوير قدرات العالم الإسلامي العسكرية أو حتى الاقتصادية والعلمية. أما ثاني التحديات الخارجية فهو "صراع الحضارات" الذي يرتبط بقضية الخوف من الإسلام والصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ويرى الدكتور زقزوق أنه إذا كان الغرب يروج لهذه النظرية ويتبناها فإن الإسلام كدين لا يرى ذلك أمراً حتمياً حيث يتلخص مبدأ الإسلام في أن تعددية الأجناس والحضارات لا يجوز أن تكون مدخلاً للصراع والشقاق ولا يجوز أن تمثل عائقاً أمام توحيد جهود الناس وتآلفهم فيما بينهم، حيث جعل القرآن الكريم الاختلاف بين الناس مدخلاً للتعاون والتعارف. كانت "العولمة" إحدى الموضوعات التي ذكرها الدكتور زقزوق في التحديات التي تواجه العالم الإسلامي من الخارج، وهو التيار الجارف الذي تقوده القوة الأعظم في العالم ويتمثل في الترويج للقيم والمعايير التي تعتمدها الحضارة الغربية القائمة وأن على العالم أن يتواءم معها وان يعتنق مبادئها ونظمها إذا أراد لنفسه مكاناً في مسيرة العالم المعاصر. وأكد الدكتور زقزوق إن طبيعة الدين الإسلامي ووقائع التاريخ تبين أن الإسلام لا يمكن أن يذوب في أي نظام آخر فله ذاتيته المستقلة وكيانه الخاص، وانه سيقف صامداً أمام كل محاولات تذويبه في أي حضارة أخرى أو أي نظام عالمي جديد ولكنه في الوقت نفسه سيظل دائماً على استعداد لأن يكون شريكاً لأي نظام عالمي يسعى إلى خير الإنسان وتقدمه وازدهاره.
"التطورات العلمية الحديثة" هي آخر التحديات الخارجية التي تعرض لها الدكتور زقزوق، حيث أشار إلى أن العلم هو سلاح العصر، وان الإسلام ينفرد كدين بجعل العلم فريضة من فرائض الإسلام لأنه السبيل إلى اعمار الكون، وأكد انه لا توجد قيود في الإسلام تقف في طريق التقدم العلمي طالما كان في مصلحة الإنسان، وان كل تقدم علمي هو في الوقت نفسه دعم للدين لأنه يبين قدرة الخالق.
واختتم الدكتور محمود حمدي زقزوق الندوة مؤكدا على أن لابد للمسلمين أن يدركوا أنهم إذا أرادوا لأنفسهم الحياة فانه ليس إمامهم خيار آخر غير خيار العلم والتقدم والحضارة وأن أي طريق آخر سيستمر في جذبهم إلى التخلف والجمود وينتهي بهم إلى أن تتجاوزهم الأحداث وينساهم التاريخ، وقال الدكتور زقزوق إن الأمل معقود على أن رصيد المسلمين الحضاري وتاريخهم المجيد في مضمار العلم والتقدم سيحفز همم المسلمين ليستعيدوا أمجاد أسلافهم ويكونوا جديرين بالانتساب إليهم. وخَلُصَ الدكتور زقزوق إلى أن الإسلام بمبادئه السامية وتعاليمه الواضحة وقوته الذاتية قادر على تلبية متطلبات الحياة المعاصرة ومواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية.